
“ماذا لو كان الطالب لا يحتاج أكثر من ورقة وإنسان يقرأها؟”
في الصف الثاني الثانوي، وتحديدًا في الجهة الخلفية من الفصل، كان في مقعد دايمًا فاضي.
رقم 9.
مو فاضي دايمًا لأن الطالب غايب، لا…
فاضي لأنه حتى لما يحضر، ما حد يلاحظ وجوده.
اسمه “عبدالله”، طالب نحيف، صامت، عيونه فيها سيرة طويلة، بس لسانه ما قد قال جملة كاملة من أول السنة.
المدرسين يمرّون عليه مرور الكرام…
الطلاب يعطونه كنية سريعة: “المختفي”،
حتى دفتره ما فيه شيء، إلا اسم كتبّه بخط صغير في الزاوية.
أنا كنت وقتها المرشدة الطلابية الجديدة، ومتحمسة أبدأ أطبق خطة الدعم النفسي اللي تعبت وأنا أجهزها…
لكن لما شفت عبدالله لأول مرة، كل الخطط اختفت.
ما كان يحتاج جلسة ولا اختبار شخصية…
كان يحتاج نظرة إنسانية صادقة.
استدعيت عبدالله مرة، دخل عليّ بهدوء وكأن حضوره خطأ إداري.
قلت له بابتسامة:
“عبدالله، إيش أكثر شي تحبه؟”
طالعني باستغراب، كأنه أول مرة أحد يسأله هذا السؤال.
قال: “ما أدري… يمكن الكيبورد. أحب أكتب.”
هذي الجملة… كانت المفتاح.
طلبت منه يكتب لي يومياته، كل يوم جملة واحدة بس.
ما كنت أراجعها… بس كنت أستقبلها.
كل يوم، يجي يحط الورقة على طرف مكتبي، ويروح.
بعد أسبوعين، بدأ يكتب أكثر من جملة.
وبعد شهر… كتب:
“كنت أظن إني ما أفرق، بس اليوم حسّيت إن وجودي له معنى، لو بسيط.”
في نهاية السنة، عبدالله وقف قدام فصله، وألقى كلمة التخرج.
مو لأنه الأول، ولا المثالي،
بل لأنه “المقعد الفارغ رقم 9″… اللي صار أخيرًا ممتلئ بالحياة.
✨ الرسالة:
في الإرشاد الطلابي، إحنا ما نعيد صياغة الدرجات…
إحنا نعيد صياغة نظرة الطالب لنفسه.
أحيانًا كل اللي نحتاجه عشان ننقذ شخص… هو إننا نلاحظ إنه “موجود”.بقلم / نبضها اثر❤️
“ليس كل غياب هو تسيّب… بعض المقاعد الفارغة يملأها الصمت، وينتظر فقط من يسمعه.”